Site icon مركز بينّة للدراسات

الأمن المجتمعي في العراق المعاصر

خصصت “بينة” مجموعة من الدراسات المتخصصة في قطاع الأمن البشري، إذ أصدرت في وقتٍ سابق تقريرًا موسومًا بـ “مقومات الأمن المجتمعي في العراق المعاصر”. بدأ التقرير برصد الإطار التشريعي للأمن المجتمعي، حيث استعرض القوانين المنظمة لحقوق المواطنين في التجمع السلمي وحرية التعبير، مع مقارنة تشريعية بين العراق وعدّة دول عربية تشترك في تحديات مماثلة.
انتقل الباحثون إلى تحليل واقع بعض المناطق المتأثرة بنزاعات محلية مباشرة، مثل دهوك ومدينة الموصل. قام فريق ميداني بجمع استبيانات وزيارات ميدانية شملت قيادات محلية ومتطوعين في مجال الإغاثة، بغرض التعرف إلى مستوى الثقة الشعبية في المؤسسات الرسمية. أظهرت نتائج الاستبيانات أن نسبة الشباب الذين يفقدون الثقة في الشرطة والقوات الأمنية تجاوزت 60% في بعض المناطق الريفية في الأنبار ونينوى.
تناول التقرير دور منظمات المجتمع المدني في تعزيز قدرات سكان المناطق المهددة؛ حيث ركّز على تدريب فرق “دفاع مجتمعي” لا تعتمد على السلاح، بل على آليات التواصل مع الجهات الرسمية وإبلاغها فوريًّا بالتهديدات الأمنية الصغيرة كالنزاعات القبلية أو الهجمات المعزولة. أظهرت الدراسة أن نجاح هذه الفرق يعتمد على بناء علاقات طيبة مع القيادات المحلية ورفع كفاءة عناصر الدفاع المجتمعي في استخدام تطبيقات الهواتف الذكية لإرسال تقارير سريعة.
اشتمل التقرير أيضًا على فصل كامل بعنوان “بناء الثقة بين الجمهور والقوى الأمنية”، حيث عُرضت تجارب لمبادرات مجتمعية نجحت في إشراك الشباب في لقاءات مفتوحة مع ضباط الشرطة لمناقشة الأولويات الأمنية. أظهرت البيانات أن مثل هذه الاجتماعات أسهمت في خفض معدلات الاحتقان بنسبة تقارب 20% في الديوانية والنجف، بعد تبنّي الشرطة ممارسات شفافة في الرد على شكاوى الأهالي وتفعيل آليات تحقيق داخلية.
واستند التقرير إلى مقابلات معمقة مع خبراء قانونيين وباحثين في علوم السلام، واستخلص توصيات بضرورة تطوير مناهج تدريب رجال الأمن بإدراج مكونات ثقافية واجتماعية تسهم في فهم خصوصية كل منطقة. علاوةً على ذلك، أوصت الدراسة بإنشاء “مراكز رصد مبنية على بيانات مفتوحة” تسمح للراغبين بمتابعة مؤشرات الأمن المجتمعي عبر منصات رقمية تعاونية، مع دعوة الباحثين المحليين لتحديث تلك البيانات بشكل دوري.
قدم الباحثون تحليلًا خاصًا عن أثر الهجرة الداخلية على الأمن المجتمعي، حيث أوضحت الدراسة أن تدفق النازحين من الموصل والفلوجة إلى المدن الكبرى مثل بغداد وكربلاء أدى إلى ضغوط إضافية على الخدمات الحكومية، مما أسفر عن نزاعات حول الموارد المائية والإسكان. وابَانَ التقرير أن غياب التخطيط المبكر للاستقبال السريع للنازحين تسبب في انتشار ظاهرة “العشوائيات” على أطراف المدن، ما يمثل تهديدًا أمنيًّا واجتماعيًّا يستلزم استراتيجية متكاملة بين الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.
في الخاتمة، ركّز التقرير على دور الحوكمة الشاملة في تحقيق الأمن المجتمعي، مشيرًا إلى أن مؤسسات الدولة بحاجة إلى دمج الشباب في صياغة السياسات الأمنية من خلال لجان تشاورية محلية. ومن توصياته النهائية إنشاء “منصة إلكترونية للتشبيك بين مؤسسات الأمن والمنظمات الأهلية”، تتيح تبادل البيانات والتنسيق الفوري مع السلطات المركزية، فضلاً عن تحديث التشريعات لضمان حماية حقوق المواطنين في التعبير والتجمع.

Exit mobile version