جلسة نقاش

حوار تعددي لبناء التوافق المجتمعي

تُعَدّ جلسات النقاش التي تنظمها “بينة” منصة فريدة لإقامة حوار محلي متنوّع يضم خبراء، ناشطين، أكاديميين، وصحفيين يمثلون مختلف محافظات العراق. تسعى هذه الجلسات إلى تجاوز الانقسامات الأيديولوجية والطائفية، عبر إرساء منطق التعايش السلمي في إطار دستوري يحترم الاختلاف. تُعقد جلسة واحدة كبيرة كل شهرين في إحدى قاعات الفنادق المركزية في بغداد، مع بث مباشر عبر منصات التواصل، ليتمكن الشباب والأفراد من مختلف المدن من متابعة النقاش والمشاركة عبر التعليقات.
في إحدى جلسات النقاش الأخيرة، التي حملت عنوان “دور المجتمع المدني في تعزيز ثقافة التعايش وحقوق الإنسان”، حضر متضررون من النزاعات السابقة: مدنيون أصيبوا بإصابات نفسية بسبب الحرب، وممثلون عن منظمات للإرشاد الاجتماعي. شارك في النقاش معالجون نفسيون ومدافعون عن حقوق الإنسان تحدثوا عن الأثر السلبي للتوترات المتكررة على النسيج الاجتماعي، وكيف يمكن لمبادرات مدنية تواصلية أن تبني الثقة بين المكونات المختلفة. قدّم المشاركون توصيات بإشراك الضحايا أنفسهم في ترتيب الخطط الخاصة بالمصالحة المجتمعية، لأن ذلك يعزز فرص نجاح أي مبادرة مستقبلية.
وفي جلسة أخرى بعنوان “المشاركة السياسية للشباب وترسيخ الديمقراطية”، استُضيف ممثلون عن مؤسسات شبابية تدعم مبادرات انتخابية محلية، حيث طوّروا برامج لتدريب الشباب على التعبير السلمي والتظاهرات المنظمة. تناول الباحثون في هذه الجلسة الواقع الإحصائي لتمثيل الشباب في المجالس المحلية والبرلمانية، وأشاروا إلى أن نسبة تمثيل الشباب لا تتعدى 15% على مستوى المحافظات، مما يدعو إلى ضرورة تبني آليات جديدة للترويج للمرشحين الشباب خلال الحملات الانتخابية. كما عُرضت تجارب دولية من تونس وكندا كحالات يمكن تكييفها مع السياق العراقي، مع مراعاة الاختلافات الثقافية والاقتصادية.
تحرص “بينة” على دعوة ممثلين عن المحافظات ذات التنوع القومي والطائفي: كركوك، ديالى، الموصل، وبابل، لضمان شمولية النقاش وجنبة النزعة المركزية. ناقش المشاركون في أحد الجلسات التحديات التي تواجه التواصل بين هذه المكونات، حيث عرض ناشطون من كركوك قصصًا عن معاناة الأقليات من التهميش الإعلامي والسياسي، في حين تحدّث ممثلو العشائر في ديالى عن ضرورة أن تكون القرارات النيابية المستقبلية منبثقة عن توافق وطني حقيقي. تمت توصية بإنشاء منتديات محلية مشتركة في تلك المحافظات تعمل تحت مظلة مدنية مدعومة من الجهات الدولية، وتُعنى بحملات التوعية حول مبادئ التعايش والعدالة.
يعتمد أسلوب إدارة الحوار على حيادية المتحدثين بضرورة إتاحة مساحة متساوية لكل فكرة، ومنع أي طرف من هيمنة النقاش. تُرسل الوثائق التحضيرية للمشاركين قبل انعقاد الجلسة بأسبوعين، وتشمل أوراقًا بحثية وإحصائيات وطنية وإقليمية، حتى تُتاح الفرصة لجميع الحاضرين لاستيعاب الموقف والتركيز على النقاط الجوهرية. يبدأ النقاش بحلقة تمهيدية يقدّمها خبير في تاريخ العراق السياسي والاجتماعي، ثم يُفتح المجال لعرض الرؤى المختلفة.
في ختام كل جلسة، تُجمع التوصيات في وثيقة قصيرة تُنشر على موقع “بينة” الإلكتروني، لتكون مرجعًا للمجتمع المدني وصنّاع القرار. بالإضافة إلى ذلك، تُنظّم ورش عمل تطبيقية متصلة لمتابعة تنفيذ التوصيات على مستوى المحافظات المعنية، حيث يُدعى المسؤولون المحليون لمناقشة الخطوات التالية، وتعقد اجتماعات دورية لمراجعة التقدم المحرز. تُعطي هذه الآلية بعدًا عمليًا للجلسات، فتجنّبها الوقوع في مجرد النقاش النظري دون ترجمة إلى فعل ميداني يلامس الواقع العراقي بأبعاده المختلفة.

اعرض المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى