Site icon مركز بينّة للدراسات

مساحة صوتية للتحليل والمساءلة

يُعَدّ البودكاست في العراق اليوم وسيلة إعلامية جديدة تتخطّى حدود التقليدية، حيث يتيح للمنتجين والمستمعين التواصل بصورة مباشرة وغير مقيدة بإجراءات الرقابة الصارمة التي قد يفرضها الإعلام التقليدي. ومن خلال “بينة”، ينطلق البودكاست كمنصة متخصصة تستهدف الشباب العراقي والمهتمين بالشأن العام، ممن يبحثون عن محتوى تحليلي وإخباري يتسم بالموضوعية والانفتاح على كافة الجهات الفاعلة في المشهد السياسي والاجتماعي.
يتميّز برنامج “بينة” الصوتي بكونه رصينًا ويستضيف مذيعين مقدّرين وذوي خبرة في إعداد المحتوى، حيث يلتزمون بأسلوب النقاش الحر المفتوح والانخراط في طرح الأسئلة التي تثير التفكير حول قضايا حقوق الإنسان، الديمقراطية، والمصالحة الوطنية. تنطلق حلقة واحدة في الشهر عادةً، ولكن الإعداد والتحضير يستغرقان عدة أسابيع، ما يضمن صقل النصوص والخبرات واستدعاء ضيوف من خلفيات متعدّدة: ناشطون، محامون، أكاديميون، ومسؤولون سابقون في مؤسسات رسمية.

تركّز حلقات “بينة” على تسليط الضوء على القصص الشخصية لضحايا الانتهاكات الحقوقية في محافظات مختلفة، مثل “محافظة الأنبار”، حيث روى أحد النازحين تجربة أسرته التي فجّرتها موجة النزوح نتيجة للأعمال المسلحة، ثم كيفية محاولة الناس إعادة بناء حياتهم رغم محدودية الدعم الحكومي. كما دارت مناقشات حول دور المنظمات غير الحكومية في توفير مساحات آمنة للنازحين في محافظات مثل النجف وكربلاء، وكيف تمكن بعض الفِرق من تدريب الشباب على المهارات الحرفية والحياة المستقلة.


في إحدى الحلقات المفصلية، دار النقاش حول “التعليم المدني في المدارس والجامعات” بوصفه وسيلة رئيسية لتعزيز الوعي بحقوق الإنسان بين الجيل الصاعد. شارك في الحلقة أساتذة من جامعة بغداد وأساتذة حقوقية من البصرة وكركوك، بالإضافة إلى محامين من هيئة الدفاع العراقية، وقد قدّموا نماذج تطبيقية عن تجارب تعليمية جرت في مدارس كركوك خلال العام الدراسي الماضي، شملت ورشًا تدريبية حول أسس المناقشة المدنية. وقد أظهر الطلاب الذين شاركوا مؤشرات إيجابية في نسبة مشاركتهم بمناقشات تدريجية بعد تلقيهم التوعية المطلوبة.
إلى جانب ذلك، قدمت إحدى حلقات “بينة” تحقيقًا ميدانيًّا عن “عودة النازحين طوعًا”، شارك فيه ممثلون عن منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية. ناقش الضيوف قصص نجاح في دمج النازحين في الحياة المجتمعية، حيث يقيمون أسواقًا شعبية صغيرة لعرض منتجاتهم الحرفية في مدن مثل الفلوجة والرمادي، ما ساعد في إعادة فعالية الاقتصاد المحلي ومنحهم شعورًا بالانتماء. وقد اهتم البرنامج بإبراز آليات التضامن المجتمعي المبسّطة التي ساهمت في إحلال السلام في مناطق كانت عرضة لأزمات إنسانية خطيرة.
من الناحية التقنية، تعتمد “بينة” على فريق صوتي متخصّص، شابّ وسريعة الحركة، يتنقل في استوديوهات متنقلة (Mobile Recording Studios) إلى مدن رئيسية، ليعلّم المشاركين مهارات تسجيل المقابلات الصوتية، وإنتاج المحتوى الرقمي. يستخدم الفريق أجهزة تسجيل احترافية وميكروفونات عالية الحساسية، مع برمجيات تحرير صوتية متطورة لضمان جودة الإنتاج. هذا النهج المكاني الميداني يضفي مصداقية على المحتوى، ويقربه من الواقع العراقي المتجدد.
يختتم كل بودكاست بـ “فقرة تفاعلية” يوجهها المضيفون للمستمعين عبر منصات التواصل الاجتماعي: فيسبوك، توتير، وإنستغرام. تُطرح أسئلة تفاعلية حول موضوع الحلقة، ويُطلب من الجمهور إرسال مداخلاتهم وأفكارهم، ما يمكّنهم من المساهمة في عملية إنتاج الحلقة المقبلة. تلعب هذه المشاركة دورًا في بناء وعي جماعي، إذ تُختتم الحلقة بإعلان حول موعد الحلقة القادمة، وموضوعها، واسم ضيفها أو ضيوفها، لتظل دائرة التواصل مفتوحة وتمتد من الاستماع إلى التفاعل الفعلي بين صُنّاع المحتوى والجمهور العراقي الباحث عن فضاء حرّ ومستقل.

Exit mobile version