الحوكمة

حوكمة مؤسسات الدولة واستجابة المواطن

مع انتشار ظواهر الفساد الإداري والبيروقراطية المفرطة، ركّز تقرير “حوكمة مؤسسات الدولة ومدى استجابتها لمتطلبات المواطن” على رصد الآليات المتبعة في الخدمات الحكومية الأساسية مثل التسجيل المدني، التراخيص البلدية، والرعاية الصحية الأولية. قام فريق بحثي بزيارات ميدانية لعدد من مكاتب الحكومة في بغداد وأربيل والناصرية لتوثيق تجارب المواطنين في الحصول على الخدمات، فوُجد أن الإجراءات المطولة والرسوم غير الرسمية تعيق وصول الفئات الأضعف، مما يولد شعورًا بعدم العدالة ويضعف ثقة الناس في مؤسسات الدولة.
تضمن التقرير فصلًا موسعًا حول “الحكومة الإلكترونية”، حيث عُرضت تجارب وزارة الداخلية ووزارة الصحة في إطلاق منصات إلكترونية تسمح للمواطنين بمتابعة معاملات الإقامة والبطاقة الوطنية والتقرير الطبي عن بُعد. لخص التقرير أن أكثر من 40% من المواطنين الذين استخدموا هذه المنصات في بغداد عام 2024 وجدوا أن الخدمة فاعلة وسريعة، بينما أعرب 55% من سكان المحافظات الأخرى عن صعوبات تقنية في الوصول إلى الإنترنت أو نقص وعي بالمنافع الرقمية. بناءً على ذلك، أوصى الباحثون بضرورة توسيع نطاق الخدمات الرقمية ليشمل مؤسسات أخرى مثل وزارة التربية والتعليم وبلديات المحافظات، مع إطلاق حملات إعلامية توعوية حول كيفية استخدام المنصات الإلكترونية للمواطنين.
ناقش التقرير أيضًا “حوكمة البيانات المفتوحة”، حيث أجرت فرق البحث مقابلات مع مسؤولين حكوميين تحدثوا عن مشروع تجربة أولى لتبني مفهوم البيانات المفتوحة في وزارة التخطيط. أوضحوا أنهم أطلقوا محاكاة أولى لنشر تقارير اقتصادية دورية عبر موقع إلكتروني يتيح للمواطنين تحميلها ومشاركتها مع الباحثين ووسائل الإعلام، لكنهم أشاروا إلى وجود تحديات لوجستية وقانونية تتعلق بحماية الخصوصية والسرية. ورغم ذلك، اعتبروا هذه الخطوة “بداية تشجيعية” نحو مكافحة الفساد عبر إفشاء المعلومات أمام الجمهور وتعزيز المساءلة.
استعرض التقرير أيضًا تجربة مواطنين في محافظات البصرة وذي قار الذين شكوا من بطء إجراءات إصدار التراخيص البلدية للمشاريع الصغيرة، مما دفع بعضهم إلى اللجوء إلى “الوسطاء” ودفع رشاوى للحصول على الخدمة بسرعة. راجع الباحثون تأثير هذه الظاهرة على تعزيز ثقافة الفساد وتراجع الاستثمارات المحلية، ولذا أوصوا بفرض رقابة دورية على القطاع البلدي، وتفعيل وحدات التحقيق المحلية للانفراد بكشف المخالفات الإدارية والمالية.
في ختام التقرير، تحدّث الباحثون عن أهمية “التعليم المدني الرقمي” الذي يشمل تدريب الموظفين الحكوميين على التعامل باحترافية مع منصات البيانات المفتوحة، وتبني ثقافة الشفافية. كما دعوا إلى إشراك المنظمات الأهلية في مراقبة تنفيذ خطط الحكومة الإلكترونية، ووضع معايير دولية للحوكمة الجيدة في العقود الحكومية وعملية المشتريات، ما يفتح الباب أمام مراقبة مستقلة من المجتمع المدني والصحافة الحرة.

اعرض المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى