الإعلام

الواقع الإعلامي في العراق والتحديات الراهنة

انطلق تقرير “التنوع الإعلامي في العراق: بين الواقع والفرص” من ملاحظة تدعو إلى القلق عن هشاشة المشهد الإعلامي العراقي، الذي يعاني من انقسامات أيديولوجية وحزبية تؤثر على موضوعية التغطية وتقلل من ثقة الجمهور في المؤسسات الإعلامية. استند التقرير إلى بحوث ميدانية شملت استطلاعات رأي في محافظات المركز (بغداد)، والمناطق الأقل وصولًا للخدمات الرقمية (المثنى وذي قار)، مع إجراء مقابلات مكثفة مع صحفيين من وسائل إعلام متنوعة: قنوات تلفزيونية، إذاعات محلية، ومواقع إلكترونية.
بُني التقرير على جزئين رئيسين: الجزء الأول ركّز على واقع المؤسسات الإعلامية المسجلة وعددها وتوجهاتها المعلنة، فبيّن أن هناك أكثر من 120 صحيفة أسبوعية ومحلية مسجلة في وزارة الداخلية، لكن معظمها يمثل توجّهات حزبية واضحة. أشارت البيانات إلى تفاوت كبير في ثقة الجمهور بحسب المنطقة؛ ففي بغداد، بلغت نسبة الثقة المتوسطة في الإعلام التقليدي 45%، بينما اقتربت في البصرة من 30%. ويرجع الباحثون ذلك إلى سيطرة المليشيات السابقة على بعض المؤسسات الإعلامية بعد عام 2003، مما ساهم في تراجع المصداقية لدى الجمهور المحلي.
أما الجزء الثاني، فركّز على “آليات دعم جودة المحتوى الإعلامي”، وقدّم توصيات لتعزيز دور التدريب المستمر للصحفيين على مهارات التحقق من المصادر والبحث الاستقصائي. عرض التقرير أمثلة عن مبادرات ناجحة في النجف وكربلاء، حيث تأسست مجموعات صحفية شبابية بالتعاون مع جامعات محلية، وقد أنتجت تقارير ميدانية وثّقت قضايا فساد في مؤسسات خدمية. وأظهرت نتائج تلك المبادرات زيادة ملموسة في نسبة المشاركة بين الشباب في صناعة المحتوى الإعلامي، كما أسهمت في جذب دعم من جهات دولية لتطوير قدرات المراسلين الميدانيين.
تناول التقرير كذلك “الإعلام الرقمي ودوره في تعزيز الحوار المجتمعي”، واستعرض قدرات مواقع التواصل المحلية على فتح مساحات للنقاش الهادئ حول قضايا إنسانية واجتماعية، مثل حقوق المرأة والتمثيل السياسي. أظهرت دراسة حالة في محافظة ميسان أن منصات إلكترونية تعتمد على المحتوى الذي يُنشئه المستخدمون (User-Generated Content) حققت تفاعلاً أكبر بنسبة 35% مقارنة بباقي المحافظات، لكونها تتيح للناشطين الشباب نشر مقاطع صوتية ورسائل نصية قصيرة حول مشاكلهم اليومية.
واختتم التقرير بدعوة لإنشاء “شبكة عراقية مستقلة لدعم الإعلام المحلي”، تتعاون مع منظمات دولية لتوفير منح تدريبية وتطويرية للمشاريع الإعلامية الصغيرة التي تركز على التوعية المدنية والقضايا الاجتماعية. وأوصى بضرورة تقديم حوافز مالية للصحفيين المستقلين، وتأسيس صندوق تمويل يعالج تكاليف الإنتاج الصحفي الاستقصائي طويل الأمد، على أن تُشرف عليه لجنة مختلطة من مؤسسات المجتمع المدني.

اعرض المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى