
خارطة طريق للعدالة الانتقالية في العراق
في تقريره الموسوم “خارطة طريق للعدالة الانتقالية في العراق”، عمل فريق الباحثين على دراسة القوانين الحالية المتعلقة بمحاكمة الجرائم الكبرى والتعويض عن الانتهاكات السابقة، مثل تلك التي ارتكبت خلال الثمانينيات والتسعينيات. انطلقوا من مقارنة بين التشريعات الدولية في هذا المجال والمحاولات العراقية الأولى لتطبيق مفاهيم العدالة الانتقالية، وناقشوا العقبات التشريعية والأمنية التي تعيق تحقيق العدالة الشاملة.
استند التقرير إلى مقابلات مع ضحايا قدّموا شهاداتهم عن كيفية تجاوزهم للظلم، إلى جانب لقاءات مع خبراء قانونيين ناقشوا الثغرات في قانون “المساءلة والعدالة” الصادر عام 2008، وكذلك قانون “الحصانة الأمنية” الذي تعرّض لانتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان. أظهر الباحثون أن غياب ثقافة الاعتراف بالذنب وتأخير المحاسبة الرسمية أدّى إلى تعميق الجراح الجماعية، وتسبب في شعور الضحايا بأنهم مهمشون على المستوى الوطني.
تضمن التقرير فصلًا خاصًّا عن “بناء آليات تعويض ضحايا النزاعات الماضية”، وقدّم أمثلة من دول نجحت في تطبيق نماذج العدالة التصالحية، مثل جنوب أفريقيا ورواندا. أوضح الخبراء أن إنشاء “لجان تحقيق وطنية” تضم ضحايا، شهود عيان، وقضاة مستقلين يضمن نزاهة الإجراءات، لكنهم أشاروا إلى ضرورة توفير الحماية الكاملة للشهود من أجل تشجيع المزيد منهم على الإدلاء بشهاداتهم.
وجّه التقرير الضوء إلى أهمية إنشاء مراكز استشارية نفسية واجتماعية لدعم الضحايا وأسرهم، وأشار إلى دراسات أعدّها مختصون نفسانيون في جامعة بغداد تفيد بأن عملية الفضّ والحوار بين الضحايا والمشاركين السابقين في النزاعات تُعدّ خطوة أولى حاسمة نحو الشفاء النفسي والجماهيري. لخص البحث أن هذا النوع من الدعم النفسي والاجتماعي يخفف من الرغبة في الانتقام ويعزز إمكانيات المصالحة المجتمعية.
واستعرض التقرير أيضًا دور الإعلام المدني في نشر الوعي بأهمية العدالة الانتقالية، حيث أُنتجت مواد توعوية مبسطة تشرح للمواطنين حقوقهم ومسارات التقاضي السليمة. أقامت “بينة” بالتعاون مع منظمات محلية ومؤسسات جامعية ورشًا توعوية في مدارس ومدن جنوب العراق تشرح مفهوم العدالة الانتقالية وأهميته لبناء دولة قائمة على سيادة القانون.
ختم التقرير بتوصيات بإشراك المجتمع المدني الكامل في صياغة السياسات التشريعية المتعلقة بالعدالة الانتقالية، وتأسيس هيئة وطنية مستقلة تضم ممثلين عن ضحايا النزاعات وأعضاء من المجتمع الدولي يراقبون عملية الإصلاح، ما يساعد في بناء ثقة مجتمعية واسعة ويقلل من الاحتقان الطائفي والقبلي.